الرعاية الإلهية.. ويوسف الصديق  8

4 ـ يوسف مفسر الأحلام.

خصص سفرالتكوين، السفر الأول من الشريعة المقدسة، جزءاً لا بأس به عن الأحلام، حين قال ابراهيم عن زوجته ساره أنها اخته، وأخذها ابيمالك، جاء الله له في حلم الليل وقال له:

“ها انت ميت من أجل هذه المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة من بعل (تكوين 20: 3)

وحين هرب يعقوب من وجه اخيه عيسو رأى حلماً:

“واذا سلم منصوبة على الآرض، رأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الرب صاعدة ونازلة عليها، وهوذا الرب واقف عليها..”

وأحلام يوسف التي كانت بدء مشكلته مع إخوته، حيث تآمروا عليه قائلين: ” هوذا صاحب الاحلام قادم، فالآن هلم نقتله.. فنرى ماذا تكون احلامه” ( تكوين 37: 19، 20)

فالأحلام مصدرها رب العالمين.. وتتحقق .

ויחלמו חלום שניהם ” وحلما كلاهما حُلماً”

لقد حَلما ساقي ملك مصر وخبازه، المحبوسان في بيت السجن، في ليلة واحدة كل واحد بحسب تعبير حلمه، ولما رآهما يوسف في الباح، وبعد أن القى عليهما بنظره، واذا هم منغمين وغتمين، وسألهما قائلاً: لماذا وجهكما منغمان اليوم: فقالوا له:

חלום חלמנו ופותר אין אתו: ” حلمنا حلماً وليس من يفسره لنا”

في العصور السحيقة في القدم (18 – 19 ق.م.)، كان هناك مدارس خاصة لتفسير الآحلام تسمى “مدارس الحياة” كانت كلها علم ومعرفة حكمة وروحانية، مثل هذه المدارس كانت قريبة من بيوت القدس، كان هناك تفاسير مختلفة لمثل هذه الأحلام، لمن حلم حلم ليؤكد حلمه أو ما اذا كان يفسر عكس الحلم، كان لأصحاب تفاسير الأحلام يملكون من الفطنة والدهاء والحكمة مما يؤكد لصاحب الحلم ان تفسيراتهم تنم عن واقع الحلم، تفسيراً صحيحاً، وما المفسرين الذين اتوا بهم الى فرعون، كانوا من تلامذة بيوت العلم هذه “بيت الحياة” החרטמים عرفوا باسم السحرة، أكثر من أن يطلق عليهم مفسر الآحلام.

وهنا قال يوسف:

הלוא לאלהים פתרנים: ספרו נא לי: “اليست لله التفاسير، قصوه علي”

لم تطلق الشريعة المقدسة على يوسف النبوة، الا لكونه انسان متواضع، واقعي ، متزن، عظبم، حكيم وروحاني، كله ذكاء، وفطنه، وكان على كل شيء ينسبه لرب العالمين، كقوله: “اليست التفاسير لله” إن دل كلامه هذا على شيء، فإنما يدل على عبقريته في نقل الايمان بالله الى كل من يحادثه ويجالسه ويقابله ويجتمع معه، أينما حضر كان يذكر الله فوق كل شيء.

وما ان سمعا كلامه رئيس السقاة والخبازين، حتى رغبا في أن يفسرا لهم أحلامهما.

فقص رئيس السقاة حلمه على يوسف قائلاً:

והנה גפן לפני : ובגפן שלשה שרוגים “واذا كرمة أمامي، وفي الكرمة ثلاثة قضبان”

حلم رئيس السقاة، مشاهدته عنقود من العنب على الأغصان، ومن المعروف ان عروق العنب رفيعة تحمل عناقد عنب، ومن طبيعة الكرمة اغصانها طرية دائماً تصعد الى الأعلى من اجل التحرر، متسلقة لتتكىءعلى كل شيء من اجل تحررها مما هي فيه، العرق الرئيسي صاعد الى الأعلى، وهذا دلالة على الانفراج والتحرر.

أما وجود ثلاثة قضبان المتمثلين بثلاثة أيام، ومن الجدير بالذكر ان للكرمة العديد من القضبان، لكن تحديد انه رأى فقط ثلاثة قضبان وهذا يدل على ثلاثة ايام فقط.

שלשה שרוגים: שלשת ימים הם: “ثلاثة قضبان، ثلاثة ايام هما”

اي بعد ثلاثة أيام، يرفع فرعون رأسك، ويعيدك الى مقام عملك، حينئذٍ تعطي كأس فرعون بيده، كعادنك السابقة حين كنت ساقيه.

והיא כפרחת עלתה נצה: הבשילו אשכלותיה ענבים:

“وما أن افرخت طلع زهرها، وأنضجت عناقيدها عنباً”

اعتماد يوسف في تفسيره لهذه الآيات، كان بعد تحليله لها، أما تحديد الزمن بثلاث عروق، لتفرخ وينضج زهرها، هذا دلالة على أن الخبر اليقين لصاحب الحلم الا وهو رئيس السقاة، اذ كان وجوده في السجن، بالنسبة له بعد كان محترماً ومرموقاً على رأس عمله، وزيراً في البلاط الفرعوني، أما ان يأتي مثل هذا التفسير على ايدي هذا الانسان العظيم، يا من يفسر الاحلام صحيحة 100%، هذ الخاصية والمميزة ستبقى في العالم محتكرة في العالم له فقط على مدى كل العصور.

וכוס פרעה בידי:ואקח את הענבים ואשחט אתם על כוס פרעה: ואתן את הכוס על כף פרעה: ” وكانت كأس فرعون بيدي، فأخذت العنب وعصرته في كأس فرعون، وأعطيت الكأس في يد فرعون” .

لربما يستغرب المرء هنا بكلمة ואשחט بمعنى عصر، مع انه المقصود بها الذبح، المَعْنيينْ هو معنى واحد، الأول عصر العنب، اخراج مادة الحياة منه، والثاني الذبح اخراج الدم “مادة الحياة” عند الذبيحة، والآية التالية جمعت بينهما “ודם ענב תשתה חמר: “ودم العنب شربته خمراً”

المقصود هنا ان لون الخمر ايضا لونه أحمر يشبه الدم، وصفت هنا في الآية ماء العنب “دم العنب” اي لون أحمر كلون الدم.

وهذا يعني ان كلام الشريعة المقدسة، هو ابعد مما نتصوره، مهما وصل الانسان منا من علم وثقافة وحكمة وروحانية. لأن كلام الله لا يفسر بل يجتهد فيه.

כי אם זכרתני אתף: כאשר ייטב לף: ” اذكرني بالخير حين يحسن لك”.

اصنع لي معروفاً ان سمحت، اذكرني أمام فرعون مصر حين يفرج عنك وترجع على رأس عملك، من اجل ان يخرجني من هذا السجن، لأني سرقت من أرض العبرانيين، ولم أفعل شيئاً حتى وضعوني في هذا السجن ظلماً.