تسلسل الخليقة 1
“بداية الخليقة”
خلق الله الانسان ليعمرالأرض ، ولتكون هناك صلة بين الخالق والمخلوق، بين العابد والمعبود، فيكون عبادة، ايمان، نظام، مدنية، حضارة، تقدم وتطور .
حيث إبتدأت الخليقة في اليوم الأول بأن خلق الله النور، وتوالت المخلوقات حتى اليوم السادس وقبل 6456 سنة، خلق الله آدم عليه السلام بعد أن جبله من تراب جبل جرزيم المقدس، ونفخ في أنفه نسمة حياة ليتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض.
وخلق رب العالمين الانسان على صورته وشبهه، ذكراً وأنثى خلقهما، بعد أن بقيت الأرض خالية خاوية، وروح الله ترفرف على سطح الغمر، مدة زمنية لا تقدر بزمن، لا بمئاتها ولا بملاينها ولا بملياراتها، لأن المولى رب العالمين أزلي.
لقد كان أول من جبله رب العالمين من التراب آدم، وهذا يعني أن آدم هو أبو البشر، وليس هناك مخلوقات إنسانية مهما كان نوعها قبله، أما تسميته بهذا الاسم “آدم” نابع من التراب الذي أخذ منه، وكلمة تراب بالعبرية “آداما”.
غرس المولى جنة عدن ليعمل بها الانسان ويحفظها، وأنبت الله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة، وشجرة معرفة الخير والشر، وكان نهر يخرج من جنة عدن ليسقيها، ومن هناك ينقسم فيصير اربعة رؤوس، هما فيشون ، جيحون، دجلة والفرات.
وضع الله آدم في جنة عدن ليعملها ويحفظها، وأوصاه قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل، كما جبل الله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، أحضرها الى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها، وأما لنفسه فلم يجد معيناً نظيره، وهنا أوقع الرب سباتا على آدم فنام، فأخذ واحدة من اضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الاله الضلع الذي أخذها من آدم امرأة وأحضرها الى آدم، واطلق عليها اسم حواء . فقال آدم كما جاء على لسان الشريعة المقدسة:
“هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأةً لأنها من إمرءٍ أُخذت. لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً”. (تكوين 2: 23-24)
وجاء بالشريعة المقدسة قولها أيضاً:
“ودعا آدم اسم امرأته “حواء” لأنها أم كل حي”. (تكوين 3: 20)
وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الله الالــه ، فقالت للمرأة: أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة ، قالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة تأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا ، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر. فرأت حواء أن شجرة معرفة الخير والشر التي أوصى الله أدم بان لا يأكل منها كي لا يموت موتاً، إنها جيدة للأكل، وانها بهجة للعيون وشهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها معها فأكل، وبهذا قد خالف أوامر مولاه.
“هو ذا الانسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا إلى الأبد” ( تكوين 3: 22)
فانفتحت عيناهما فعلما أنهما عريانان، فحل عليهما الموت لأنهما أصبحا يعرفان الخير والشر، بعد أن كانت حياتهما أبدية، صحيح أنها حكمة الله ، إلا أن الانسان قدّرها له. فكانت النتيجة بأن حكم الله على الحية، أن تكون ملعونة من جميع البهائم والوحوش، على بطنها تسعى، وتراب الأرض تأكل كل أيام حياتها. ووضع عداوة بينها وبين المرأة وبين نسليهما.
أما المرأة فكان نصيبها، أزيد تعبك حين تحبلين، بالأوجاع تلدين البنين، وإلى زوجك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك.
وآدم فقال له المولى:
“تكون الأرض ملعونة بسببك، بكدك تأكل طعامك منها طوال ايام حياتك، شوكا وعوسجاً تنبت لك، ومن عشب الحقل تقتات، وتأكل عشب الحقل. بعرق جبينك تأكل خبزك، حتى تعود إلى الأرض، لأنك أُخذت منها، فأنت تراب، وإلى التراب تعود”
أي لُعنت الأرض، كما أنزل الله حكم الموت على البشرية، أي أنه من التراب والى التراب يعود، وطرد الله آدم من جنة عدن الى شرقيها، اي الى المشرق الا وهي بلاد ما بين النهرين “بابل” بسبب مخالفته تعاليم ووصايا ربه، وحكم عليه أن يعمل في الأرض التي أخذ منها. وليأكل منها بالتعب كل أيام حياته، بعد أن مكث في الجنة يوماً واحداً فقط.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لعن الله الأرض بدل أن يلعن آدم ؟ في الواقع أن الله بارك آدم يوم خلقه فكيف يلعنه بعد فعلته هذه وبسبب أكله من شجرة الخير والشر ؟ لذا، قام الله بلعن الأرض بدلاً منه.
إن المشرق بالنسبة للأراضي المقدسة هي أرض بابل (العراق)، ونحن نعلم أن الشريعة المقدسة أعلمتنا أن سلالة الأذكياء والصديقين من آدم الذي بعثه المولى قبل 6456 عاما، وحتى الخامس عشر منهم فالج سنة 1936 للخليقة، جميعهم كانوا يسكنون في منطقة واحدة، هي أرض شنعار بالعراق. ولما بنوا برج بابل هناك في زمن فالج، ومن أجل هذا سمي “فالج” بهذا الاسم (تفرقة أو بلبلة)، حينئذ قام المولى ببلبلة ألسنتهم جميعاً، وفرقهم على جميع الأرض منذ ذلك التاريخ.