سجل العهد الإلهي مع البشرية
تكمن عظمة التوراة بالأحداث التي دونها الله في شريعته المقدسة، والتي ما زالت تتجلى أمام أعيننا، رغم مرور 5855 سنة على وقوعها، و3663 سنة على تدوينها في التوراة، فهي تسجل العهد الذي قطعه الله مع نوح عليه السلام ومع نسله من بعده بقوله: “فيكون متى أنشر سحاباً على الأرض، ويظهر القوس في السحاب (قوس قزح)، أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية، في كل جسدٍ، فلا تكون ايضاً المياه طوفاناً لتهلك كل ذي جسدٍ” (تكوين 9: 14) وللحفاظ على هذا العهد الذي قطعه الله مع نوح عليه السلام، جدد الله ميثاقه مع ابراهيم عليه السلام بعهد الختانة، كما أوردته الشريعة المقدسة قولها: “هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك: يختن منكم كل ذكر”. (تكوين 17: 9)
كما جدد عهده مع ابراهيم عليه السلام مرة أخرى، عندما خاف هذا النبي على مصير نسله وشعبه من بعده، إذ جاء حديث الله مع ابراهيم في الرؤيا لطمأنته، وحثه على عدم الخوف لأن الله ترسٌ له، وأجره كبير جداً، وهنا ورد في التوراة قولها: “في ذلك اليوم قطع الله مع ابرم ميثاقاً”. (تكوين 18: 12)
وقد أنعم الله على ابراهيم عليه السلام نعماً عظيمة، فوهبه أبناءً أنبياء مثل اسحاق ويعقوب، وسمي بـ “ابراهيم الخليل” لخله أي محبته عند رب العالمين.
كان ابراهيم يعيش في بلاد ما بين النهرين في أور الكلدانيين، وطلب منه الله قائلاً: “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك الى الأرض التي أريك فأجعلك أمة عظيمة واباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنك العنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض”. (تكوين 12: 1-3)
لقد نال هذا النبي من الشهرة الدينية والانسانية التي لا تدانيها شهرة اي انسان في زمانه، بسبب اخلاصه وصدق توجهه واحسانه حتى استحق لقب “ابو الأنبياء”، ومعنى اسمه اب للجميع، الأب الرفيع، الأب المكرم. وافتقد الله سارة زوجة إبراهيم، فحبلت وولدت له ابنه اسحق في شيخوخته، الذي ختنه وهو ابن ثمانية ايام كما أمره الله، ولما أراد الله ان يمتحن إبراهيم بابنه اسحق قال له: “خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، اسحاق، واذهب به الى ارض الموريا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي اقول لك”. (تكوين 22:2)
وتزوج اسحق من رفقة ابنة خاله بتوئيل الأرامي، وحبلت وأنجبت له توأمين، يعقوب وعيسو، وكان عيسو انساناً يعرف الصيد، انسان البرية، بينما كان يعقوب انساناً كاملاً يسكن الخيام. هؤلاء الآباء الثلاثة (إبراهيم، واسحق، ويعقوب)، هم آباء وأنبياء اسرائيل، ولكل واحد منهم شخصية عظيمة وفريدة تتطلب مجلدات للتفصيل، لكن هنا سنكتفي بالإشارة إلى دلالات أسمائهم فقط، من خلال حساب الحق (حساب الجمّل) أي الجمتريا أو القيم العددية للمفردات العبرية، ما يكشف لنا عن مفاجئات كبيرة، تعبر عن مدى عظمة هؤلاء الأنبياء الثلاث: تارح תרח والد ابراهيم جمتريا اسمه تساوي 608 اما جمتريا اسم ابراهيم אבראם تساوي 248.
وحاصل طرح تلك القيمتين: 608 -248 = 360، يساوي جمتريا اسم السنة השנה = 360 وهذا دلالة على أن الله أوجد السنة من اجل شعب بني اسرائيل. שנה = 355 عدد أيام السنة العبرية، حرف الهاء ה بمثابة ال التعريف للسنة العبرية.
جمتريا اسم ابراهيم אבראם = 248 – جمتريا ابنه اسحاق יץחק = 208 248 -208 يساوي 40 وهذا الرقم يدل على عدد سنوات التيه الاسرائيلي في شبه جزيرة سيناء، وعدد سنوات نبوة موسى الرسول، وعدد أيام صعود موسى لمولاه على جبل سيناء، لإستلام لوحي الجوهر مكتوبين بإصبع الله. جمتريا اسم اسحاق יצחק = 208 -جمتريا اسم يعقوب יעקב = 182، وناتج الطرح بين العددين: 208 -182 يساوي 26 وهذا دلالة على تسلسل موسى الرسول بين الأزكياء والصديقين من آدم.
جمتريا اسم ابراهيم אבראם = 248 – جمتريا اسم يعقوب יעקב = 182 وبطرح العددين: 248 -182 نحصل على الناتج 66 يساوي 12 وهو يدل على الاثني عشر ابناء يعقوب (اسباط بني اسرائيل).
جمتريا אבראם = 248 + יץחק = 208 + יעקב = 182 248 + 208 + 182 = 638 = 17 טוב جيد.
جمتريا اسماعيل ישמעאל = 451 = 10 يشير هذا الرقم الى الوصايا العشر. جمتريا اسماعيل ישמעאל = 451 – جمتريا اسم يعقوب יעקב = 182 451 -182 = 269 = 17 טוב جيد.
وماذا بعد، هل يُعقل أن كل هذه الدلالات وغيرها الكثير الكثير، جاءت عفوية في الشريعة المقدسة؟ وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التوراة دونت هذه القيم والأسرار قبل 36 قرناً ونيف، إضافة إلى الحكم والروحانية والأحكام والوصايا والمعلومات الأزلية والحقائق التاريخية.
وكل ذلك يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن ما جاء في الشريعة المقدسة لم يكن عشوائياً، إنما وحي من عند الله، والتوراة “خمسة أسفار موسى” راسخة في قدسيتها ومصداقيتها، وكُتبت لتكون دستوراً إلهياً خالداً ومنبعاً للمعرفة في العالم أجمع.