عيد الفسح السامري والفطير

الحدث الأعظم في التاريخ.. لوحا الشهادة 

قبل الخوض في خضم الحدث الأعظم في تاريخ البشرية جمعاء، لا بد من التوقف عند دلالات رقمية ولغوية تكمن ضمن ما جاء في الشريعة المقدسة قولها: “ثم أعطى موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء: لوحي الشهادةّ.. لوحي حجر مكتوبين بأصبع الله”. (خروج 31: 18) ויתן אל משה ככלותו לדבר אתו בהר סיני; את שני לוחות העדות ,, לוחות אבנים כתובים באץבע אליהם. 

عدد كلمات هذه الآية 17 وهو رقم يعادل كلمة “جيد” טוב في العبرية القديمة. وعدد حروفها 70 حرفاً وهذا إشارة ترمز إلى قدسية الآيات. أما الجمتريا (القيمة العددية) لمجموع كلمات هذه الآية البالغة 5282، تساوي17، مما يعيدنا مجدداً إلى رمز “جيد” טוב. ففي سنة 2795 منذ بدء الخليقة -أي بعد عام واحد فقط من خروج شعب بني اسرائيل من أرض مصر وتحررهم من عبودية فرعون-، وهذا قبل 3702 عام (1677 ق. م.)، وقع اللقاء الأعظم بين السماء والأرض، إذ طلب المولى من النبي موسى الصعود إلى قمة جبل سيناء (جبل حوريب)، حيث خاطبه رب العالمين وجهاً لوجه، متستراً بسحابٍ كثيف يخفي الذات الإلهية. وهناك تسلّم موسى الكليم أعظم وديعة عرفها التاريخ، حيث أعطاه الله سبحانه وتعالى، لوحي الشهادة.. لوحي حجر مكتوب عليهما الوصايا العشر بإصبع الله.

 لربما يتساءل البعض اين هما الآن؟ منذ دخول شعب بني اسرائيل إلى الأراضي المقدسة قبل 3663 سنة، بقيادة يهوشع بن نون، تم بناء هيكل موسى (خيمة الاجتماع) وهو الخيمة التي كان يجتمع فيها الله بشعبه، لذلك سميت بـ “خيمة الاجتماع”، وهي تختلف عن الخيمة الأصلية التي أمر الله موسى بإقامتها في برية سيناء، لكي يسكن وسط شعبه، والتي سميت بـ “المسكن”. وقد نقل القائد يهوشع هيكل موسى المقدس “المسكن” بمساعدة الكاهن الأكبر العازار بن هارون، وقاموا ببنائه على قمة جبل جرزيم (الجبل الجنوبي لمدينة نابلس)، حيث استقر هناك لمدة 230 سنة عُرفت بـ “سنوات الرضى”. غير أن الخلاف دبّ بين الكاهنين اللاويين “عوزي” وأحد أبناء عمومته “عالي”، على خلفية الكهنوت الأعظم، فانتقل “عالي” إلى شيلو (سيلون)، الواقعة على بُعد 17 كم الى جنوب شرق مدينة نابلس، وبنى هيكله هناك، مخالفاً أوامر الشريعة المقدسة. على التو وخشيةً على مصير هيكل موسى، اضطر الكاهن الأكبر عوزي بن بقي اللاوي أن يخفيه في مغارة على قمة جبل جرزيم، ولكنه حين عاد في اليوم التالي للاطمئنان على الهيكل الذي أخفاه، لم يعثر عليه ولا على المغارة. 

وهذا يعني أن هيكل موسى ما زال محفوظاً في مكانه على جبل جرزيم المقدس، منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، لا يُرى ولا يُكشف، ولن يُعاد ظهوره ثانية إلا مع مجيء النبي المنتظر (المهدي)، وسيكون حينئذٍ دلالة على نبوءته. ولعل السؤال الذي يراود البعض، ما الداعي لفخر بني إسرائيل بشريعتهم المقدسة؟ هل هو في أحرفها العبرية القديمة التي تشكّل مصدراً لكل لغات العالم، وكل حرف منها يشبه عضواً من أعضاء جسم الانسان وحاجة من حاجاته الحيوية؟ أم في كلماتها التي تحمل كل واحدة منها دلالة عميقة، تنعكس في ترتيب حروفها وصوتها ومعناها بدقة إعجازية، أم في آياتها التي لكل منها سبعون وجهاً، تفتح أبواب التأمل والتفكر والتمحيص؟ أم في سورها التي تتضمن بين طياتها قصص الخليقة.. التسلسل الزمني.. الوصايا.. المحللات والمحرمات؟ أو بأسفارها الخمسة التي تروي قصة الانسان منذ الخليقة في سفر التكوين مروراً بالخروج، واللاويين، والعدد والتثنية، كما ترسم صورة شاملة عن حاجة الانسان في الماضي والحاضر والمستقبل؟ وهل كل هذا كافٍ لشرح الشريعة المقدسة؟ لا والف لا.. فالقداسة لا تتوقف عند اللغة والتاريخ أو المعنى، بل تتعداها إلى حسابات الجمّل (الجمتريا)، حيث تكمن أسرار التوراة. 

وبالنظر إلى الآية أعلاه، نجد أن القداسة لا تتجلى في الكلمات والمعاني فحسب بل في عدد الحروف (70 حرفاً) أيضاً، وفي قيمتها العددية (5282) وفي انسجامها البنيوي الذي لا يحتمل أي تقصير أو تحريف.

 ولهذا السبب، فإن بعض نسّاخ التوراة من أبناء الطائفة السامرية سواء أكان في الماضي، او الحاضر او حتى في المستقبل، كل منهم مُعرض للوقوع في اخطاء النسخ، لكن هذه الأخطاء رغم عفويتها وعدم تغييرها في معنى الكلمة شيئاً، لا تمر مرور الكرام، بل على العكس تحدث جدالاً ونقاشاً إيجابياً، بين اصحاب العلم والمعرفة التوراتية والناسخين. على سبيل المثل لا الحصر، ما ورد في كلمة לוחות “لوحي” في الآية أعلاه، حيث تجاهل بعض النّساخ ممن كتبوا الشريعة المقدسة باللغة العبرية القديمة (التوراة السامرية) -بقصد او عن غير قصد- حرف الواو الثاني، إذ اختصروا هذا الحرف واستعاضوا عنه بالضمة فقط، فكتبوا الكلمة هكذا לוחת، وهذا لا يجوز اطلاقاً، لأنه أدى إلى نقص حرفين في الآية الكريمة، بما ان هذه الكلمة تكررت مرتين، وبهذا تصبح عدد حروفها 68 بدلاً من 70 حرفاً، فتفتقد الآية أبرز دلائل قداستها، مما أوجب كتابة حرف الواو للكلمة بدل الضمة.

 ومن هنا، نستطيع تحديد حروف الكلمة والآية والسورة في الشريعة المقدسة ومطابقتها للأصل دون التباس أو شك مهما كان حجم الخلاف أو نوعه، من خلال حساب الجمّل (الجمتريا)، وهذا بالإضافة الى المعنى والموقع والقصد، مما يزيد واقع الشريعة المقدسة السامرية.. القدسية والعظمة والحكمة والروحانية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *