عهـــــد الملــــح
جاء أول ذكر لكلمة ملح في الشريعة المقدسة، من اجل تحديد مكان البحر الميت ( بحر الملح) عندما صنع اربعة ملوك المشرق، حرباً مع خمسة ملوك منطقة سدوم وعمورة وإدمة وصابويم وملك بالع، ونظموا حرباً معهم في عمق السديم (بحر الملح) بقولها:
“جميع هؤلاء اجتمعوا متعاهدين الى عمق السديم الذي هو بحر الملح”. (تكوين 14: 3)
ولقد اكد المولى أن الملح عهد، وعلى جميع رفائع الأقداس التي يرفعها بنو اسرائيل لله، ولبنيهم وبناتهم حقاً دهرياً ، حيث جاء في التوراة بخصوص الملح بقولها:
“ميثاق ملح دهرياً أمام الرب الهك لك ولزرعك معك”. (لاويين 18: 19)
وكذلك جاء في الشريعة المقدسة بخصوص مادة الملح قولها :.
“وكلُ قربانٍ من تقادمِكَ بالملحِ تُملحُهُ، ولا تُخلِ تقدمتك من مِلح عهد إلهك. على جميع قرابينكَ تقرب مِلحا ً” . (لاويين 2: 13)
وهذا يعني أن الملح هو عهد، قطعه رب العالمين مع شعب بني اسرائيل، على كل قرابينهم يجب تمليحها بالملح ، حيث أن الملح يستخلص الدم الزائد من القربان بعد الذبيح ويعقمها .
دائرة الأردن.. جنة عدن
بعد وقوع صراع بين رعاة مواشي ابرم ورعاة مواشي لوط ، وكان الكنعانيون والفرزيون حينئذٍ ساكنين في الأرض. فقال ابرم الى لوط اليست كل الأرض امامك ؟ اعتزل عني ، إن ذهبت شمالاً فانا يميناً، وإن يمينا فأنا شمالاً.
“فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقي ، قبلما أخرب الله سدوم وعمورة ، كجنة الله ، كأرض مصر، فأختار لوط لنفسه كل دائرة الأردن” ( تكوين 13: 10)
أي اختار لوط دائرة الاردن طمعاً لانها خصبة غنية بالخيرات ، فاعتزل الواحد عن الآخر.
من يتمعن في الآيات أدناه ، يستنتج على ان هذه المنطقة تعرف بعمق السديم، والبحر كان يعرف بـ “بحر العربة” كما جاء في الشريعة المقدسة قولها:
“وكل العربة في عبر الأردن نحو الشروق.. الى بحر العربة بحر الملح ، تحت سفوح الفسجة”. (تثنية 4: 49)
باعتقادي أن بحر العربة كانت مياهه عذبة، وعرف بـ “البحر المالح” بعد أن ضرب الله منطقة سدوم وعمورة بالكبريت والنار، ومن هذه اللحظة تحولت مياهه الى مالحة.
ومن الجدير بالذكر، ان نصوص التوراة السامرية ذكرت البحر المالح كما هو ظاهر في الاية السابقة ، لكن نصوص التوراة اليهودية لم تذكره باسم البحر المالح .
الملائكة.. ولوط
الحرب التي دارت بين ملوك المشرق (بابل) وملوك منطقة سدوم وعمورة، حدثت قبل أن يُعرف ببحر المالح ، حيث سمي في ذلك الوقت ببحر العربة كما أشرنا اعلاه . وأن عهد الملح هو نابع من هذه الحادثة ، التي يجب أن يتخذها العالم عبرة وعظة لما دارت من احداث في منطقة سدوم وعمورة قرب البحر الميت والتي تتلخص كالتالي:
ولما كان اهل سدوم وعمورة اشراراً وكانت شهرتهم طاغية بسبب أعمالهم التي يندى لها الجبين، من قذارة وإنحطاط الذي وصلوه ، خطيتهم قد عظمت جداً، فكانوا يأتون الرجال من دون حياء، وكانوا يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق . ومع أن لوط عليه السلام بذل جهدا جبارا لصرفهم عن مسلكهم وفعلهم المقيت .. لكن دون جدوى .
فأرسل الله ملائكته من اجل تدمير سدوم وعمورة، وتقديرا لابراهيم عليه السلام طلبت الملائكة من لوط وأصهاره وأبنائه وبناته ، وكل ما له في المدينة ان يخرجوا من المكان ، لأنهم سيهلكوه.
وما ان طلع الفجر، كان الملاكان يعجلان لوط قائلين :
“قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودين ، لئلا تهلك بإثم المدينة” ، (تكوين 19: 15)
ولما توانى ، أمسك الرجلان بيده وبيد امراته وبيد بنيه ، لشفقة الله عليه وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة ، ليهربا لحياتهم ، على الا ينظرا الى ورائهما ، قائلبن لهم: لا تقفا في كل الدائرة ، اهربا الى الجبل لئلا تهلكا.
“واذا اشرقت الشمس على الأرض دخل لوط الى صوغر”
“فامطر الله على سدوم وعمورة، كبريتاً وناراً من عند الله من السماء، وقلب تلك المدن، وكل الدائرة، وجميع سكان ونبات الأرض “. (تكوين 19: 23 – 26)
الأ ان زوجة لوط خالفت اوامر الملائكة ونظرت خلفها ، كما جاء في الشريعة المقدسة قولها:
“ونظرت إمراته من ورائه فصارت عمودَ ملحٍ “. ( تكوين 19: 26)
عبرة تاريخية
ما زال عمود الملح يمثل ما حدث لزوجة لوط حتى يومنا هذا، قائماً على الحدود بين الأردن وفلسطين في منطقة البحر الميت ، على الرغم من مرور ما يقارب الأربعة آلاف عام على هذه الحادثة، يشاهده المارة أمام ناظرهم ، ليكون عبرة وعظة للأمم لتسير بأوامر الشريعة المقدسة ولا تخالفها ، فعل الله هكذا بهذه الأرض، فاشتعل غضب الله على تلك الأرض حتى جلب عليها كل اللعنات.
كما يلاحظ الزائر لمدينة اريحا معالم اراضي تل الحمام (سدوم وعمورة سابقا) التي تظهر كيف خسف الله تعالى الارض بقوم لوط وقلبها رأسا على عقب ، فدفنت تحت الأملاح بعد أن كانت جنة عدن ، وذلك لارتكابهم المعاصي .
انه درس لشعب بني اسرائيل والشعوب الأخرى، سجله المولى في شريعته المقدسة حتى يتعلموا ويتداركوا مثل هذه الأخطاء التي ارتكبها غيرهم، مثل اعمال القتل والزنا والكبائر والمعاصي.
اراد الله هنا ان يبرهن للشعب الاسرائيلي ، ماذا ستكون نهايته اذا اتخذ من المحرمات سلوكاً في حياتهم ، واذا ما تركوا عهد الله اله آبائهم الذي قطعه معهم حين اخرجهم من ارض مصر ، وذهبوا وعبدوا الهة اخرى وسجدوا لها، آلهة لم يعرفوها ولا قسمت لهم.
هنا سيستأصلهم الله من ارضهم بغضب وسخطٍ وغيظ ٍ عظيم ، ويلقيهم الى أرض اخرى كما في هذا اليوم .
والدليل على كلامنا هذا ما روته التوراة بقولها:
“حين يرون ضربات تلك الأ رض وأمراضها التي يمرضها بها الله ، كبريت وملح ، وكل أرضها حرق، لا تزرع ولا تنبت ولا يطلع فيها عشب ما، كإنقلاب سدوم وعمورة وادمة وصبويم التي قلبها الله بغضبه وسخطه” . (تثنية 29: 22 – 28).
اتعظوا يا أولي الألباب
على ضوء ما تقدم ، السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا جعل الله الملح عهدا ؟
لقد استخدم الله سبحانه وتعالى ، الملح كسلاح ذو حدين ،
من الجهة الأولى: جعل من الملح عهداً كعبرة عبر التاريخ لكل من تسول له نفسه بفعل المحرمات كسكان سدوم وعمورة ومن سار بركبهم ، فقد دفع أهل سدوم وعمورة وكل من تبعهم من الشعوب الثمن، بأن دمرهم ودمر منطقتهم كاملة ، الا وهي الدائرة التي وصفتها الشريعة المقدسة بالأرض التي تشبه جنة عدن ، جعلها أخفض بقاع العالم ، وحولها الى أراضي ملحية .
ومن الجهة الثانية: خص المولى هذه المادة الملحية وفضلها عن غيرها من المواد لتكون فيها الفائدة والعلاج للشعوب التالية، فإضافة لاستخدامها في الطهي و التنظيف، يعد الملح مادة مطهرة ومعقمه للجروح ، وللملح دور في المساعدة على امتصاص البروتينات بعد هضمها ، كذلك المساعدة في وقف النزيف وخاصة نزيف اللثة ، كما يساعد في المحافظة على سلامة الفم والأسنان، وإن نقصان الملح في الجسم يؤدي إلى العديد من المشاكل، مثل اضطرابات في توزان السوائل في الأنسجة ، وخلل في التوازن الحمضي القاعدي.
كما وجدت الأبحاث والدراسات مدى العلاقة الوطيدة بين الملح والطاقة الإيجابية ، حيث للملح فوائد جمة في طرد الطاقة السلبية وتوليد الطاقة الإيجابية ، فيعمل على تحقيق توازن في طاقة المكان.
حيث يتم استخراج الملح من خلال مناجم الملح ، أوعن طريق تبخير مياه البحار أو مياه الينابيع المليئة بالمعادن ، حيث تتلخص مصادر الحصول على الملح بـ :
مياه البحر : مياه البحر في المتوسط تحتوي على نسبة 3% من الملح.
المحاليل الملحية: هو الماء الذي يحتوي على تركيز مرتفع من الملح وتوجد المحاليل الملحية الطبيعية ذات الاهمية التجارية في البحر الميت وفي النمسا وفرنسا والمانيا والهند والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
الملح الصخري: هو كلوريد الصوديوم المبلور والذي يطلق عليه علماء المعادن اسم الهاليت، ويوحد بشكل واسع على شكل كتل صخرية، ونشأت جميع رواسبه من تبخر مياه البحر في زمن ما خلال الماضي الجيولوجي.